"حق النقض" وحقوق الإنسان!

"حق النقض" وحقوق الإنسان!
محمد الحمادي

في جنيف، فلسطين حاضرة، وصوت غزة يصدح بقوة، وكلمة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين تسمعها في كل حوار يدور هنا، يستنكر الحاضرون ما اقترفته حماس ولكنهم لا يجدون مبرراً لحجم الدمار الذي قامت وتقوم به إسرائيل، وفي الوقت نفسه يتملكهم شعور بالإحباط بسبب الفشل في إيقاف هذه الحرب وحماية المدنيين الأبرياء وإيقاف نزيف الدم الذي يسيل منذ خمسة أشهر!

يعقد مجلس حقوق الإنسان هذه الأيام دورته الـ55 في جنيف، ويعتبر هذا الاجتماع الأهم للمجلس وللمهتمين بحقوق الإنسان، ومن خلال حضوري ومتابعتي للمشهد في جنيف يبدو واضحاً الارتباك الذي يشهده المجتمع الدولي وممثلو الحكومات تجاه ما يحدث في غزة، فالشعور بالعجز يبدو على الجميع والصمت الدولي على ما يحدث في غزة ينتقل إلى أروقة الأمم المتحدة، فعلى الرغم من المواقف الشجاعة والواضحة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فإن مواقف الدول تبدو متباينة، فلأول مرة تكون هناك قضية إنسانية واضحة المعالم من خلال حرب شعواء على شعب أعزل ويعجز المجلس عن اتخاذ موقف وليس اتخاذ قرار! وهذا ما أثار حالة من الإحباط لدى العديد من ممثلي الدول، فضلاً عن ممثلي المجتمع المدني. 

لقد كان أمل الناشطين في حقوق الإنسان كبيراً في أن يكون لمجلس حقوق الإنسان كلمته الفاصلة في هذه الحرب وخصوصاً أن هذه الدورة هي الأولى منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، ولكن للأسف هذا ما لم يحدث حتى هذه الساعة.

وأصبح التساؤل المتكرر، إذا لم تكن الأمم المتحدة قادرة على إيقاف الحرب وإذا كانت عاجزة عن توفير الغذاء وإذا كانت عاجزة عن حماية المدنيين وحماية النساء والأطفال وإذا كانت عاجزة عن حماية المستشفيات والمساجد والكنائس وإذا كانت غير قادرة على إصدار قرار لوقف الإبادة الجماعية وإذا كانت غير قادرة على تطبيق أي من قوانينها، إذا كانت غير قادرة على ذلك على الرغم من مرور خمسة أشهر على بداية الحرب فما الداعي لوجودها ولبقائها وما المردود من وراء دفع مئات الملايين من الدولارات لعقد الاجتماعات والمؤتمرات؟! 

هذا التساؤل أصبح مطروحاً بقوة تسمعه بكل وضوح، فإذا كنت تمشي على بحيرة جنيف أو تجلس في أحد المقاهي بالقرب من محطة القطارات في جنيف فالجميع يتساءل عن الحالة التي وصلت إليها منظمة الأمم المتحدة، فضلاً عن حالة مجلس حقوق الإنسان الذي أصبح الجميع يطالب بأن يكون أكثر قوة وفاعلية، فالجميع يتفق على أهمية وجود منظومة دولية لفرض النظام ولحماية الناس في كل مكان وفي جميع الأوقات، فلم يعد يكفي أن يتحمل هذه المسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة بمفرده أو عدد من الموظفين الأمميين في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فالجميع مسؤول…

اما حق النقض أصبح مقلقاً، وهو الحق الذي تمتلكه خمس دول في مجلس الأمن فقط، والتي تستطيع دولة واحدة من هذه الخمس من خلاله أن تبطل أي قرار تتفق عليه كل دول العالم، استخدمته الولايات المتحدة أربع مرات في هذه الحرب الأخيرة في غزة، مما أدى إلى عدم تمكن مجلس الأمن من اعتماد قرار لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، مما دفع دولة الإمارات وعدد من الدول لأن تعلن أن الاستخدام المتكرر لحق النقض "الفيتو" هو تجاهل لإرادة أغلبية الدول الأعضاء وتجاهل للضرورة الملحة لإنهاء الحرب في غزة.

"حق النقض" اُستخدم ضد إيقاف الحرب.. وضد دخول المساعدات.. أي ضد مساعدة المدنيين وحمايتهم، أي ضد حقوق الإنسان!



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية